أهداني والدي هذه الرواية، ولأن والدي ليس من محبي قراءة الروايات فلم أتفاءل بها كثيراً، فكرت: رُبّما رشحها له صاحب مكتبة لا يملك فكرة عن ذوقي في اختيار الروايات..
وضعتُ الرواية في مكتبتي المنزلية لموعد غير معلوم، لكنّه الحدس، في إحدى مقابلاتها قالت الروائية الكويتية بثينة العيسى بأنها قارئة تقليدية، تنتقي قراءاتها بحسب ما يقودها إليه حدسها، وجدتني أشترك معها في هذه النقطة، أنا أيضاً يقودني الحدس، ليس في اختيار ما أقرأ فقط ولكن في الكثير من أمور الحياة، وقد قادني هذه المرة عندما كُنت أقف أمام مكتبتي باحثة عما سأقرأ إلى اختيار رواية لم أكن مسبقاً متأكدة من أنني أرغب في قراءتها: السيدة إنجلاند.
ويا لسعادتي بحدسي هذه المرة! فالرواية جميلة للدرجة التي جعلتني أعيد النظر في الأدب الكلاسيكي، الذي قُلتُ عنه سابقاً في إحدى فعاليات نادي القصة أنّه يجب أن نتجاوزه، تبنّيت وجهة النظر تلك بعد انبهاري بعدد من الروايات التي استُخدمت تقنيات رواية حديثة في كتابتها، لكن ها هي الرواية التي تبدو كلاسيكية تقليدية إلى حدٍ ما تأسرني وتجعلني أتلهف لوقت القراءة اليومي لأتابع قراءتها، ولابد أنّه الأسلوب هو ما أعطاها كل هذا الجمال، بالإضافة إلى أجواء الرواية الرائقة، البعيدة عن الفذلكة، والدراما الجامحة، رواية نسمع بداخلها صوت المطر والفناجين، ونشم رائحة الخبز والأكل، رواية دافئة دفء البيت ودفء الحياة العادية لأي إنسان يعيش حياة غير تعيسة.
أضافت إليها الروائية شيء من الغموض التشويقي، والذي لم تعتمد عليه منفرداً لربط القارئ بالرواية.
تتحدّث الرواية عن مربية أطفال تنتقل من مدينتها إلى إحدى القرى لرعاية أطفال إحدى العائلات الغنية التي تدير مصنع نسيج بالقرب من منزلها، تأتي المربية حاملةً في قلبها سر دفين من أيام الطفولة تتمنى عدم كشفه للآخرين، تتفاجأ فور وصولها بدور الأم الذي يكاد يكون معدوم في العناية أو الاهتمام بأبنائها، وتتعاطف مع الأب، الحنون والمظلوم من قِبل زوجته – كما يبدو للمربية في البداية- الجدير بالذكر أنّ الرواية فازت بجائزة المرأة للأدب لعام ٢٠٢٢.
لعلّ أهم درس خرجت به من الرواية هو ألا نحكم على الآخرين، ولا ننظر لحياتهم بحسب ما نراه من بعيد.
وما تعلمته ككاتبة هو أنّ أسلوب السرد عنصر مهم جداً في كتابة الروايات، رُبّما هو العنصر الأكثر أهمية، فبالرغم من كبر حجم الرواية إلا أنني لم أشعر بالملل أثناء قراءتها.